راوية صادق
خريطة للتأمل
منذ بدايات القرن العشرين، حدثت إنجازات
عديدة وتحولات هامة في تاريخ الفن، تمثلت على نحو خاص في ميلاد الفن المعاصر بين عامي 1960 و 1969 . والفن المعاصر- حسبما ترى
مؤلفة الكتاب كاترين مييه – تعبير شاع استخدامه للإشارة إلى الاتجاهات الفنية التي تلت الستينيات من القرن
الماضي. ولأن " فن معاصر" مجرد كلمتين، تقتفي المؤلفة الشبكة المعقدة والمتداخلة لخريطة الواقع التشكيلي
الأوروبي والأمريكي. لا تلجأ الكاتبة، في بحثها عن مدى ملاءمة
التعبير نفسه (فن معاصر) لما يدور في ساحة الفنون البصرية، إلى مجرد السرد التاريخي للمدارس الفنية المختلفة التي تعاقبت في النصف الثاني
من القرن العشرين. فخريطة المدارس الفنية متشابكة ومختلطة، بل سريعة
التغيير. والرصد الموضوعي لعالم الفنون البصرية يتطلب تناول عناصره الأساسية: دور الناقد الفني، أساليب تعامل المؤسسات الحكومية والخاصة
مع العناصر المختلفة الفاعلة في عالم الفن.
فإذا ما تطرقنا إلى طبيعة المواد التي يستخدمها
الفنان المعاصر، سنجد أنها تضع أمناء متاحف الفن الحديث والمعاصر في عدة إشكاليات سواء على صعيد الخامة أو دلالتها أو موقعها
من تلاحق الأعمال الفنية الراهنة. أما السوق، فهو يراهن على ما يعتقد أنها قيم الغد، بينما يرصد الفنان
مايطلبه السوق، فتتوالى أعماله وفقا لمعايير تخضع غالباً لمتطلبات برنامج الحداثة.
والفن المعاصر الذي يلحم القطيعة التي تسجلها
الحداثة، يعكس أيضا، حسبما ترى كاترين مييه، واقعاً اجتماعياً راهنا يسوده التشويش ويفتقد أي أمل في المستقبل. وإذا كانت علاقة الموضوع الفني بنسق نظام التمثيل وبالكل الاجتماعي- أي
العلاقة بين ما يفعله الفنان وما يراه هي إحدى إشكاليات الفنون البصرية المعاصرة، فنحن مدعوون- بدورنا – إلى
مزيد من التأمل لعلاقتنا بما ننتجه من أعمال فنية، والبحث عن مسارات ذاتية تقاوم قانون تعاقب البضائع. فالرصد
– بعين نقدية – لما يدور في الخارج ضرورة يفرضها اختلاف الواقع الثقافي
والفني المعاش، لسياق كثير من المدارس الفنية الوارد ذكرها في الكتاب. وليست لغة الفن البصري – حسبما أرى –
" لغة عالمية"، فلكل شعب شفراته الخاصة به التي تعكس قيم مجتمعه وتتماس، في آن، مع بعض ما يدور على الساحة الخارجية. لذا فنحن مطالبون
بتأمل هذه الشفرات لا أن نلهث وراء ما يعتقده البعض أنه علامة على حداثة أعماله؛ فما نراه يحدد ما نفعله،
وما نفعله يعكس ما يتحكم فينا.
-----------------------------------------------------------------------------------
مقدمة كتاب (الفن المعاصر) ترجمة راوية صادق
راوية صادق
فنانة ومترجمة مصرية وصحفية. "اغتيالات - من ترجماتها: "حكايات وأساطير الهنود الحمر"، آفاق الترجمة، 1955
"اغتيالات للذكرى"، ديدييه دينينكس، دار شرقيات، 1997 . "قصيدة النثر من بودلير حتى وقتنا الراهن، سوزان
برنار، دار شرقيات 1998 ، "ماجريت"، برنار نويل، دار شرقيات، 2001
تعليقات
إرسال تعليق