حمدي رضا
ما هو الفن المعاصر؟
"سؤال بسيط وشائك في آن، موجه للفنانين والفاعلين
في مجال الفنون البصرية. هو سؤال بسيط لوضوح معناه، وشائك بقدر ما يحمل مصطلح المعاصرة
من التباس في محيطنا. بين المعنى المباشر للكلمة، ودلالاتها كمفهوم ثمة اختلاف وخلاف
بالطبع. لا يعنينا الاختلاف حول معنى الكلمة ودلالتها اللغوية، بل الخلاف حول المُصطلح
كمفهوم ثابت أو متعدد الدلالات. غير أن ما يهمنا أكثر هنا هو تسليط الضوء على الرؤى
الشخصية لهذا المفهوم. تتضمن هذه المساحة نصوصاً لفنانين فاعلين محلياً ودولياً يتحدثون خلالها حول مفهومهم الشخصي للمعاصرة"
(تنشر هذه النصوص تباعاً على سحابة)
هو الفن الذي يستجيب للوعي الثقافي في الوقت الحالي ويختبر هذا الوعي.
--------------------------------------------------------------------------------------------
تستخدم كلمة مُعاصر غالباً لوصف ما هو راهن، غير أن هذا المعنى يختلف عن استخدام كلمة معاصر كمصطلح فني، فهناك فروق جوهرية بين استخدام كلمة المعاصرة هنا كصفة لما هو راهن، وبين استخدامها كمصطلح، وهو الأمر الذي قاد الي العديد من المغالطات، المقصودة أحيانا وغير المقصودة أحياناً اخري، فحين نستخدم الكلمة كصفة سينطبق عليها المعنى اللغوي بالضرورة. ويمكن وصف فنان بالمعاصر رغم عمله بأساليب ومفاهيم تقليدية بغية توضيح انه فنان معاصر لوقتنا الحالي، أو للمغالطة وإدراج إسمه في قوائم الفنانين المعاصرين لغاية في نفس يعقوب.
الفن المعاصر كمصطلح يشير الي حركة الفنون ما بعد بعد الحداثية، منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين تقريباً- بغض النظر عن الارتباطات السابقه لاستخدام المصطلح في لغات أخري- والي يومنا هذا أتجه الفن الي تغيير وتطوير أساليبه فلسفياً ومادياً من خلال الانفتاح والتأثير العالمي والتعدد الثقافي والتقدم التقني وتطوره ديناميكياً مع المفاهيمية وتحديات العولمة. وهو جزء من حوار ثقافي أوسع تدور أغلب موضوعاته حول الهوية الشخصية والثقافية وماهية الأسرة والمجتمع، والجنسية والسياسة ونقد التنميط، كما يتميز بتعدد الوسائط واستخدام وسائط جديدة كالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والصور المخلقه بالكمبيوتر، ووسائط عدة، تتقاطع وتتشابه مع آليات البحث العلمي تارة ومناهج البحوث الأدبية والميدانية تارة أخري. هذا إلى جانب لغات تعبيرية مختلفة، كلغة الحركة والتعبير الجسدي واللغة السينمائية والإعلان والصحافة.
لم يترك الفن المعاصر غالباً أي علم أو مبحث أو تجربة علمية أو حياتية أو حتي أي شئ، فكل شئ حول الفنان المعاصر هو صندوق أدوات مفتوح يمكن استخدامه كوسيط وآلية للتعبير وتوضيح المفهوم. يتميز الفن المعاصر أيضاً بالتنوع والانتقائية والبعد عن مبدأ موحد أو أيديولوجية منظمة له ولذلك فهو يبدو مصطلحاً مربكاً. بالإضافة الي أن انفتاحه واعتماده علي التجريب والابتكار المستمر جعله يسبق التنظير له بسرعة كبيرة وفي اتجاهات متعددة، ولذلك وبالرغم من مرور أكثر من نصف قرن علي شيوع استخدام الفن المعاصر كمصطلح الا أن النقاد والمنظرين لم يستطيعوا الخروج بتعريف وأطر واضحة المعالم للفن المعاصر، وغالبا هو أمر مستحيل الحدوث، لتحدي الفن المعاصر ذاته لماهية تعريف وتأطير الفن بالأساس.
تنطوي تعريفات الفن المعاصر المتاحه على العديد من التناقضات والمغالطات التي تقترب من حدود السفسطة، ويمكننا أن نضرب بتلك التعريفات عرض الحائط ونركز علي الممارسات الفنية ذاتها، كما فعل العديد من الفنانين المعاصرين، الذين قدموا أعمالهم الفنية دون تنظير، وتركوا هذة المهمة لجمهور النقاد وللمؤسسات. على ضوء كل ذلك نستحضر هنا أمرين في غاية الأهمية، يمكن طرحهما على هيئة سؤال: أولهما إشكالية كيف تؤمن بما وتمارس ما لا تعي ولا تدرك ماهيته؟ وثانيهما: أليست الفلسفة والسفسطة والمنطق، أليس البحث والحوار والكتابة والصياغة أدوات وآليات من هذا الصندوق المفتوحة أبوابه أمام الفن المعاصر لاستخدامها؟
وأخيراً أحب أن أضيف إن ارتباط الفن المعاصر بالتجريب والتساؤل والاختبار، وماهيته كمجال ابداعي لطرح الأسئلة أكثر من تقديم الإجابات، جعل مع تعريفه أيضاً مادة للاختبار والتساؤلات المتتالية أكثر من كونه تعريف كلاسيكي نمطي بأطر واضحة.
تعليقات
إرسال تعليق