حازم المستكاوي

 

ما هو الفن المعاصر؟

"سؤال بسيط وشائك في آن، موجه للفنانين والفاعلين في مجال الفنون البصرية. هو سؤال بسيط لوضوح معناه، وشائك بقدر ما يحمل مصطلح المعاصرة من التباس في محيطنا. بين المعنى المباشر للكلمة، ودلالاتها كمفهوم ثمة اختلاف وخلاف بالطبع. لا يعنينا الاختلاف حول معنى الكلمة ودلالتها اللغوية، بل الخلاف حول المُصطلح كمفهوم ثابت أو متعدد الدلالات. غير أن ما يهمنا أكثر هنا هو تسليط الضوء على الرؤى الشخصية لهذا المفهوم. تتضمن هذه المساحة نصوصاً لفنانين فاعلين محلياً ودولياً يتحدثون خلالها حول مفهومهم الشخصي للمعاصرة"

(ستنشر هذه النصوص تباعاً على سحابة)

 


 

الحداثة وما بعد الحداثة

الحداثة: هو مصطلح أُطلق في الستينيات من القرن العشرين على مجموعة من التوجهات والممارسات والحركات الفنية التي واكبت العصر الصناعي الأوربي منذ بداية القرن العشرين حتى مابعد الحرب العالمية الثانية، وامتدت حتى نهاية الخمسينيات، بكل ما يميز هذه الفترة من التطورات الفكرية والفلسفية الحديثة، وأيضاً التطور الكبير في الخامات ووسائل الإنتاج.

وبنظرة سريعة على الحداثة نجد أن أهم مميزاتها:

- رفض القيم والمعايير الفكرية والفنية التقليدية (الكلاسيكية) مثل النقل الواقعي.

- إعتماد التجريب في الخط واللون والشكل والمساحة والملمس والخامة.

- رغم تعدد وتنوع حركات وتوجهات الحداثة جغرافياً وفنياً إلا أن جميعها أشتركت في الاعتماد على التجريد بكافة أشكاله، ويمكن أن نقول أنه القاسم المشترك بين كل التوجهات الفنية آنذاك.

- يندرج تحت مصطلح الحداثة العديد من الحركات الفنية، وكما أن التجريد كان قاسماً مشتركاً بينها إلا أن المثالية الفلسفية والفكرية والسياسية كانت أيضاً قواسم مشتركة بينها، ربما يرجع هذا لتأثر أغلب الفنانين في هذه الفترة بالحروب ورفضهم لها، وتأثرهم أيضاً بمثالية الأفكار الاشتراكية والماركسية التي تتبنى نظرية شيوع العلم والفن وأهميتهم لخدمة المجتمع والإنسانية، وربما كان هذا أحد أسباب انفتاح أغلب تلك التوجهات والحركات الفنية على فنون العالم خارج أوربا، مثل الفن الأفريقي والفنون المصرية القديمة والفنون الأسيوية والفن الإسلامي وغيرها.

مابعد الحداثة: هو مصطلح أطلق في السبعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية على مجموعة من الأداءات الفنية التي تقوم على رفض الحداثة الأوربية بكل قيمها ومعاييرها الثقافية والسياسية، وتقوم على سيطرة الفكرة وسطوة التفلسف وتبني العولمة الإقتصادية التجارية، ورفض القومية والتشكيك في الثوابت من القيم والمعايير، بل والتهكم عليها أيضاً. ومن أهم دلالتها:

- رفض التجريد وتبني التعقيد في الفكرة والتنفيذ.

- تبني التشكيك في القيم والمبادئ الفكرية والفلسفية والفنية وصولاً لتقديم التناقضات بين الأفكار والنظريات حتى داخل عمل واحد.

- التركيز على الفردانية ورفض الحركات أو الأساليب أو الأفكار المشتركة، فالخبرة الشخصية والتميز الفردي هو الأساس لفنون ما بعد الحداثة.

- رفض السلطة وتبني شعبوية الفن بالمنطق السوقي والشعبي، وليس بالمنطق الاشتراكي الإنساني كما كان في الحداثة الأوربية.

- يمكن اعتبار البوب أرت POP ART المفتاح الرئيسي لفنون ما بعد الحداثة.

- أهم أنواع فنون ما بعد الحداثة:

Pop Art, Conceptual Art, Neo-expressionism, Feminist Art

ومن وجهة نظري فإن مابعد الحداثة تعتبر حركة سياسية أكثر منها فنية، حيث قامت بالأساس في الولايات المتحدة الأمريكية بدعم من مؤسسات الدولة لسحب البساط من أوربا والسطوة الثقافية الأوربية من باريس إلى نيويورك. ومن المضحك أن تقوم حركة فنية على رفض السلطة بدعم من السلطة! ما بعد الحداثة تتبنى الشعبوية السوقية في الفن ورفض المكعب الأبيض المتحفي White Cube رغم أن أعمالهم تحتل المتاحف وتفرض وجودها على المؤسسات الرسمية التي يدّعون رفضهم لها.

ومن أهم ما يلفت النظر في فنون ما بعد الحداثة، رغم رفض أصحابها للحداثة وما قبلها إلا أنهم يسمحون لأنفسهم باستخدام كل الحركات الفنية من الحداثة وما قبلها واستباحة كل الأساليب والتقنيات التي يرفضونها من الحداثة في تنفيذ وإنتاج أعمال فنون ما بعد الحداثة.

 الفن المعاصر

مصطلح الفن المعاصر هو مصطلح يتم إستعماله لتوصيف الأعمال الفنية الآنية (بنت زمنها الفكري والفلسفي) وبعض الأعمال من الماضي القريب التي تتسم بالتقدمية الفكرية والفنية.

والجدير بالذكر أن هناك صراع سياسي في تاريخ نحت المصطلح مابين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، كما كان هناك صراع بين الحداثة وما بعد الحداثة بين باريس ونيويورك. هذا الصراع البريطاني الأمريكي يتمثل في تاريخ صك المصطلح والأعمال التي تنتمي إليه بالتبعية، فلندن تعتبر العام 1947 هو تاريخ مصطلح الفن المعاصر، وهو تاريخ نهاية الحداثة مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أما نيويورك فتعتبر العام 1977 هو تاريخ مصطلح الفن المعاصر وهو تاريخ السطوة الأمريكية على مقدرات الفنون البصرية في العالم واعتماد المعايير الأمريكية لإنتاج الفن كمعيار عالمي وحيد.

الفن المعاصر تعبير مراوغ حيث أن العديد من الفنانين يتصورون أن مجرد تاريخ الإنتاج يعني المعاصرة، وآخرون يتصورون أن ممارسة وإنتاج الفن من خلال وسائط تكنولوجية أو رقمية يعني المعاصرة. في رأيي، لا التاريخ ولا الوسيط يعني المعاصرة، وإنما المعاصرة هي أسلوب تفكير ولغة طرح وطريقة تقديم، المعاصرة تعني أن يكون العمل الفني إبن زمنه فكرياً وثقافياً وفنياً. من الممكن أن أستعمل أحدث التقنيات البصرية للفيديو والتصوير لإنتاج فيديو يحمل أفكار سلفية ويحتفل بعادات وتقاليد بالية من زمن فات (هل هذه معاصرة؟) ومن الممكن أن أستعمل خامات تقليدية كالألوان الزيتية والتوال وأقوم بعمل لوحة تطرح وتناقش قضية المساواة والعدل بين المرأة والرجل من منظور فكري تقدمي ومستنير يتبنى ويدعم حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين (أليست هذه معاصرة؟) إذاً المعاصرة ليست في الوسيط ولا تاريخ الإنتاج، المعاصرة لغة وفكر وثقافة وفلسفة الزمن الذي نعيشه الآن. لذلك هناك تصوير معاصر ونحت معاصر كما أن هناك فيديو معاصر وبيرفورمانس معاصر، المعيار هو الفكر والطرح والتناول وليس الوسيط أو تاريخ الإنتاج.

تعليقات

  1. مقال كويس جدا، سهل وبسيط وواضح، شكرا حازم المستكاوي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حسن خان

أيمن السمري