حسن خان

 

ما هو الفن المعاصر؟

"سؤال بسيط وشائك في آن، موجه للفنانين والفاعلين في مجال الفنون البصرية. هو سؤال بسيط لوضوح معناه، وشائك بقدر ما يحمل مصطلح المعاصرة من التباس في محيطنا. بين المعنى المباشر للكلمة، ودلالاتها كمفهوم ثمة اختلاف وخلاف بالطبع. لا يعنينا الاختلاف حول معنى الكلمة ودلالتها اللغوية، بل الخلاف حول المُصطلح كمفهوم ثابت أو متعدد الدلالات. غير أن ما يهمنا أكثر هنا هو تسليط الضوء على الرؤى الشخصية لهذا المفهوم. تتضمن هذه المساحة نصوصاً لفنانين فاعلين محلياً ودولياً يتحدثون خلالها حول مفهومهم الشخصي للمعاصرة"

(تنشر هذه النصوص تباعاً على سحابة)


الفنان حسن خان. تصوير: اش لين

في الحقيقة أعتقد أن من المفيد جدًا أن نبدأ أولاً بمجموعة من التسأؤلات: لماذا هناك حاجة لطرح مثل هذا السؤال أصلاً؟ و لما يسبب هذا التسأؤل الكثير من القلق لدي العديد من المثقفين والفنانين المصريين؟ ولماذا لا نزال عالقين في منطق التضاد والثنائيات، حيث تُبسّط الأمور وتصبح ماهية الأشياء جامدة ومحددة سلفا، محدودة في أفق ضيق لم تتغير ملامحه منذ ١٠٠ عام حين ابتُلينا  بثنائية  "الأصالة والمعاصرة" المستهلكة والتي تعبر عن فساد فكري عميق.

لن أجيب علي هذه الأسئلة ولكن اسمحوا لي أن أبدأ بما أجده أنا شخصياً إشكالي في المفهوم السائد لمعني الفن وقد لخصت هذه الاشكاليات (وذلك لا يشملهم جميعهم) في أربع نقاط رئيسية:

١) فكرة أن الفن هدفه هو الاحتفاء وتقبل الأفكار السائدة وعلاقات القوة التي نعيش بداخلها- أي هو عمل تطبيعي في المقام الأول. 

٢) العمل الفني هو في حد ذاته دليل على "جودة" - سواء كانت تقنية أو أخلاقية- أي هو حرفة يمكننا الحكم عليها وتقيميها بناءً على أفكار مسبقة حول ما هو جيد. ونجد أحيانا كنقيض وأحياناً كشريك لهذه الفكرة التصور أن الفن في حد ذاته شيء نبيل من المفترض أنه يعكس ما نعتقد أنه "الخير" و"الجمال" ، وطبعاً في حالتنا المصرية تترجم تلك القيم لمرادف ركيك لفكرة الهوية أو العواطف الوطنية.

٣) شكل يعطي الأشياء والأفكار بريق ما، وهو يدعي كشف الحقيقة وتفسيرها في نفس الوقت- أي شكل  يصور العالم كأمثولة أو كأفق مغلق لا يوجد به أي عطب.  

٤) خطاب ذاتي يتمحور حول ترويج لذاتية الفنان المعبرة، أي في هذا التصور يدور العمل الفني حول تقديم صورة للفنان (الفنان الحساس، الناقد، الراصد للواقع.. ألخ) نجد هنا أنماط كثيرة مختلفة ومتغيرة حسب الحقبة التاريخية.

تتقطاع و تمتزج كثيراً هذه النقاط والتصورات بالطبع، فهذه الأفكار الأربعة عن ماهية الفن مثال لنوع التصورات المنتشرة بشكل واسع في المشهد الفني المصري. أشير اليها هنا كرد فعل (وليس كإجابة) لمحاولة تعريف كلمة المعاصرة، وكمحاولة للهروب من تعريف محدد وواضح لهذه الكلمة، أيماناً مني أن رغبة وجود مثل هذا التعريف في حد ذاته جزء من المشكلة، و لأن هذه النقاط الأربعة مثال لما يتم استخدامه في سياقنا المحلي كنقد لما يسمي "الحداثة" أو "المعاصرة" فهي اذاً صورة ما للأفكار المُسيطرة والمُهيمنة علي مشهدنا، حيث سلطة الدولة ونفوذ رأس المال ورومانسية الخيال العاطفي عن ذات الفنان  يمتزجان معاً في محاربة أي طرح مغاير لهم. مع العلم أن في نهاية المطاف، وفي أبسط أشكالها، الشيء المعاصر هو مجرد الشيء الموجود حالياً، ولكن لأننا أسري رومانسيات الماضي والحنين لعصور ذهبية متخيلة، غالباً ما تستخدم هذه الكلمة كعلامة على فكر نقدي.

ولكي أكون صريحاً فأنا فعلاً لا أومن بأي من هذه الأفكار (سواء كانت نقدية أو مكملة للسلطة)  كل ما يمكنني قوله هو أنني أبحث عن ما أسميه العمل- شيء له وجود أي ليس محض تخيل مجرد، شيء يرتكز على الظروف التي أنتج من خلالها، وعلي الهواجس والأفكار التي دفَعَتها للوجود، شيء يكتشف نفسه دون أن يكون مغلقاً متمماً، أعمال يمكننا الانخراط فيها دون الحاجة إلى شرح الأشياء- أو شيء من هذا القبيل.

 

.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حازم المستكاوي

أيمن السمري