عمر جهان

 

 

عين نمرة .. عين حمئة

 
رؤية هبه لهبه داخل محيطها الذاتي، والعائلي، والإنساني عبر نصها الفوتوغرافي السردي "عين النمرة" يجعل المطلع على النص المكتوب والصور المتناصة معه يستعين بداية بما يختزنه في الذاكرة بأنواعها الثلاثة وما تفتضه المخيلة من مغاليق الخيال، ويرى مع القديس أغسطين في نظرته عما سماه شهوة الأعين  The lust of the eyes، حيث يقول إن الفضول أو حب الاستطلاع يتحاشى الجميل ويذهب إلى نقيضه تماماً، وذلك من أجل لذة الاكتشاف والمعرفة. لذا ينجذب الفضول نحو المناظر والأحداث والشخصيات غير المألوفة وغير الجميلة بالمعنى التقليدي، فينجذب نحو المشوّه ونحو كل ما يُفترض أنه جميل وغير مكتمل 
 
 
عمر جهان

نص هبه بوصفه نصاً أوتوبيوغرافياً هو سرد استرجاعي وترجمة ذاتية لا تستحق رسمها وتسجيلها كتابةً إلا إذا كانت لفنانة تعاني عسر التكيف والألم والمحنة والقدرة على الصبر والتجاوز. هكذا يلفتنا نص هبه إلى رولان بارت، إلى حيث مفهوم الصورة الفوتوغرافية والانفعالات الثلاث: الصفح، والمكابرة، والنظر، مروراً بتأويل العاطفة الناشئة بين المصوّر وثقب الكاميرا الصغير، ذلك الثقب الذي يؤطّر ويحصر مشاهدات وفق ثقافة بصرية بمعناها السلطوي. ثم يصل بنا نص (عين النمرة) مع رولان بارت أيضاً إلى حقل شائك من الأسئلة: ماذا يعني تأويل الحدث في الفوتوغرافيا؟ وما انطباعات بارت حول عودة الميت وحول الظاهراتية في التصوير؟ ماذا يعني الوخز في الصورة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تكون اللذة وسيطاً بين الرغبة والصورة؟ وإلى أي حد يمكن للصورة أن تنفصل عن مرجعيتها؟ وهل الصورة مجرد جرح عاطفي وليست موضوعاً يقبل التفسير؟

 


نظل نتأمل كيف تجاوز بارت هذا المفهوم الذي حدده، ونقف مع هبه حائرين بين مصطلحين studium:  أي الانجذاب العاطفي نحو صورة ما، ومصطلح الوخز Punctum  أي ذلك الشيء المنطلق من قلب الصورة كسهم يخترق ذات المتلقي الرائي، فيما سيستشعر ذلك الرائي الخجل والخوف جراء جرعة الصراحة القاسية أحياناً. ولكنه ليس خجلاً أخلاقياً محافظاً نتيجة العري الجسدي والنفسي وما تجترحه هبه خلال سيناريو البوح والكشف الخاصين بها، وإنما خجل ينتمي لأقنوم الجمال والحساسية المرهفة؛ خجل يضع الرائي أمام عجزه عن مجاراة فيض الاعترافات وعلى مواكبة ما تستنطقه الفنانة هبه خليفة عبر آلة التصوير وعبر لغتها السردية البعيدة قصداً عن استخدام قوالب لغوية جاهزة، أو كادرات نمطية محفوظة في ذاكرة فن التصوير. بل اختارت تلك اللغة المترنّحة بين الفصحى والعامية من ناحية اللغة المكتوبة، وبين ضبط عدسات الكاميرا واستخدام الظل والنور كما هو معتاد، وبين الولوج إلى خطورة المغامرة التي تطيح بالمعرفة ليس من أجل الاستعراض العبثي أو البُرنوجرافية، ولكن من أجل الاقتراب ومعانقة تيار الشعور المتدفّق، المتقلّب، المتمرّد، المتحدّي، الرافض، الخاضع من ناحية اللغة المصوّرة. وبهذه الجرأة والرهافة والحنان القاسي يبرز أمامنا نص سرد فوتوغرافي يلهث للقبض على الراهن عبر المسيرة الشخصانية في ماضي الأحداث وحاضرها ومستقبلها.

 


--------------------------------------------------------------- 

 كتاب "عين النمرة" لـ هبة خليفة، يجمع بين السرد والفوتوغرافيا والرسم

صدر أخيراً عن دار وزيز للتشر في القاهرة/ 2025  

https://wazizbooks.com/ar

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوسف ليمود

فن بلا مخاطر: المعرض العام كمساحة آمنة

حمدي رضا