أيمن السمري

 

ما هو الفن المعاصر؟

"سؤال بسيط وشائك في آن، موجه للفنانين والفاعلين في مجال الفنون البصرية. هو سؤال بسيط لوضوح معناه، وشائك بقدر ما يحمل مصطلح المعاصرة من التباس في محيطنا. بين المعنى المباشر للكلمة، ودلالاتها كمفهوم ثمة اختلاف وخلاف بالطبع. لا يعنينا الاختلاف حول معنى الكلمة ودلالتها اللغوية، بل الخلاف حول المُصطلح كمفهوم ثابت أو متعدد الدلالات. غير أن ما يهمنا أكثر هنا هو تسليط الضوء على الرؤى الشخصية لهذا المفهوم. تتضمن هذه المساحة نصوصاً لفنانين فاعلين محلياً ودولياً يتحدثون خلالها حول مفهومهم الشخصي للمعاصرة"

(ستنشر هذه النصوص تباعاً على سحابة)

أيمن السمري
  

 

مفهوم الفن المعاصر ظهر في مصر من قبل التسعينيات، وكان له إرهاصات بالطبع قبل هذه الفترة. ولكن حتى بعد ظهوره بقوة وبداية دراسته أكاديمياً استمر المفهوم الخاطىء حول الممارسات المعاصرة، وتعامل البعض مع  كلمة المعاصرة بمعناها اللغوي المباشر. وهناك من يعتقدون إلى اليوم أن الفنان المعاصر هو من يعيش بيننا ويعاصر هذه اللحظة التاريخية التي نحياها، على الرغم من أن هناك فنانون يعيشون بيننا وينتجون فناً نمطياً.

لا يشير مصطلح الفن المعاصر بالطبع إلى ما يُنتَج خلال اللحظة الراهنة، وإلا كان كل فن ينتج في أي حقبة يطلق عليه فناً معاصراً. الفن المعاصر في رأيي هو لغة يجب تعلمها، ولكن على الفنان أولاً أن يكون مُلماً بمفردات هذه اللغة كي يعبر بها عن رؤيته الخاصة. إذا افترضنا مثلاً أني قد دُعيت لعمل فيديو آرت في نيويورك، فليس عليّ أن أتكلم بنفس اللغة التي يتكلم بها بيل فيولا " Bill Viola ". فمن المفترض حينها أن أكون واعياً للعناصر التي أستخدمها ومصادرها، ثم أفعل ما يحلو لي بعد ذلك لأنتج فناً يمثلني، وإلا تحوّل الأمر إلى ادعاء.  

إن أكثر ما يميز فنون ما بعد الحداثة أنها تختصر كل الحقب التاريخية، وتُتيح للفنان الفرصة لعمل ما يريد، وانتقاء الأسلوب والتناول الذي يعبر عن رؤيته. وعلى الفنان بالطبع أن يكون ملماً بتفاصيل هذه اللغة التي يستخدمها. وسيظل هناك دائماً من لا يستطيعون استيعاب هذه اللغة، ويعتقدون أن الفن هو نوع من المهارة والتقنية. وعلى الجهة الأخرى سنجد من بين ممارسي الفن المعاصر من يعتقد أن المعاصرة قاصرة على أسلوب معين أو وسيلة بعينها، كالتحريك مثلاً، وهو فهم خاطىء بالطبع، فالرسوم الواقعية، وحتى الـ هايبرليزم "Hyperrealism" قد تتسم بالمعاصرة، الفارق هنا فقط في الطريقة التي يقدم بها المحتوى البصري والفكرة التي يتضمنها.

أعتقد أن حضور الفن المعاصر في المنطقة العربية هو حضور ضعيف، وإذا قمنا برصد الأسماء الفاعلة على المستوى الدولي في كل الدول العربية مجتمعة سيبدو الأمر متواضعاً للغاية. في مدينة مثل نيويورك مثلاً يمكننا رؤية كافة الاتجاهات، بما فيها الاتجاهات المعاصرة، وهو حضور متوازن إلى حد كبير. ولكن حين تأتي لأي مدينة في منطقتنا العربية سنجد الأمر مختلفاً تماماً، لأن المساحة التي تشغلها الممارسات المعاصرة هزيلة للغاية مقارنة بالممارسات والاتجاهات الأخرى.

إذا ما أخذنا مثلاً العراق كنموذج- وهو بلد كبير ومؤثر داخل الحركة الفنية العربية- سنجد أن هناك إلى اليوم تعلقاً لافتاً بالممارسات الحديثة، كالتكعيبية، والتي أشعر أنها دخلت العراق وأبت الخروج منه، فحتى الآن ما يزال هناك فنانون عراقيون كُثُر يمارسون التكعيبية، وهو أمر لا أجد له تفسيراً في الحقيقة. ولكن هل يعني هذا أن لا وجود للفن المعاصر في العراق؟ بالطبع لا، فأنا على المستوى الشخصي أعرف عدداً كبيراً من الفنانين العراقيين ممن يتبنون مفهوم المعاصرة في أعمالهم. وأنا لا أتحدث هنا عن حضور أو عدم حضور الممارسات المعاصرة في منطقتنا العربية، بل عن التفاوت في تمثيل الاتجاهات المختلفة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حازم المستكاوي

حسن خان